يعتبر تعلّم اللغة عملية فطريّة، حيثُ يكون الأطفال مهيئون للتعلم منذ ولادتهم، ومن المثير للاهتمام أنَّ جميع الأطفال بغض النظر عن اللغة التي يتحدث بها آباؤهم يتعلّمون اللغة بنفس المراحل والطريقة، فهم يكتسبون المهارات اللغوية بنمط ثابت مهما كانت اللغة التي يتعلمونها.
بشكل عام هناك ثلاث مراحل من تطور تعلم اللغة، سنتعرف في هذا المقال على هذه المراحل مع توضيح المهارات التي يكتسبها الأطفال في كل مرحلة عمرية.
المرحلة الأولى: تعلم فهم الأصوات
عندما يولد الأطفال يمكنهم سماع وتمييز جميع الأصوات في جميع اللغات في العالم أي ما يعادل حوالي 150 صوتاً في حوالي 6500 لغة، وتُسمى الأصوات التي تستخدمها اللغة "الصوتيات -Phonemes".
في هذه المرحلة يتعلم الأطفال الصوتيات سواء كانت تنتمي إلى اللغة التي يتعلمونها أو لا، وتسمى القدرة على التعرف على هذه الأصوات وإنتاجها "الوعي الصوتي"، وهو أمر مهم للأطفال الذين يتعلمون التحدث، وأفضل طريقة لتعزيز اللغة عند الأطفال هي التحدث إليهم حيث يتعلم الأطفال من خلال الاستماع للأشخاص من حولهم، حيثُ بيّنت الدراسات أنَّ مجرد التحدث مع الأطفال بانتباه كافٍ لالتقاط اللغة.
معالم تعلم الطفل للغة في المرحلة الأولى:
0 إلى 4 أشهر: عندما يولد الأطفال يمكنهم بالفعل الاستجابة لإيقاع اللغة كما يمكنهم التعرف على تواتر وسرعة الصوت وكذلك صعود وهبوط طبقة الصوت.
عمر 4 أشهر: يمكن للرضّع التمييز بين أصوات اللغة والضوضاء، على سبيل المثال يعرفون الفرق بين الكلمة المنطوقة والتصفيق.
عمر 6 أشهر: يبدأ الأطفال في الثرثرة والنطق وهذه هي أول علامة على أنَّ الطفل يتعلم اللغة، حيث يستطيع الأطفال الآن إصدار جميع الأصوات بجميع لغات العالم ولكن بحلول الوقت الذي يبلغون فيه عاماً سيكونون قد أسقطوا الأصوات التي ليست جزءاً من اللغة التي يتعلمونها.
المرحلة الثانية: تعلم الكلمات
في هذه المرحلة يتعلم الأطفال بشكل أساسي كيف تتوافق الأصوات في اللغة معاً لتكوين معنى، على سبيل المثال يتعلمون أن أصوات (مَا - مَا) تشير إلى "الشخص" الذي يحتضنهم ويطعمهم أي "أمهم".
هذه خطوة مهمة لأن كل ما نقوله هو في الحقيقة مجرد دفق من الأصوات، ولفهم هذه الأصوات يجب أن يكون الطفل قادراً على التعرف على مكان انتهاء الكلمة الواحدة ومتى تبدأ كلمة أخرى وتسمى هذه المعرفة "حدود الكلمات".
ومع ذلك فإنَّ الأطفال لا يتعلمون الكلمات بل يتعلمون الصيغ التي هي أصغر من الكلمات حيث يمكنهم تقسيم الكلمات إلى أجزاء منفصلة، مثل "دَا - دَا" " بَا- بَا". وقد يُشكّل هذا الجزء كلمة بمفردها أو يمكن دمجها مع أجزاء أخرى لتكوين كلمة.
كذلك يمكنهم فهم صيغ الجمع في هذه المرحلة مثلاً إدراك أن إضافة "ات" تعني "أكثر من واحد" على سبيل المثال: أخوات - سيارات، ويبدأون أيضاً في ربط هذا المعنى بكلمات أخرى أي عند إضافة الصوت "ات" تكون الكلمة جمع.
معالم تعلم الطفل للغة في المرحلة الثانية:
مع تطور الطفل خلال النصف الثاني من عامه الأول ودخوله مرحلة الطفولة ستستمر قدرته على إصدار الأصوات والاستجابة للمحادثات في التحسن، بالإضافة إلى ذلك يمكنه ربط الكلمات بالأفعال أي الكلمات التي تقال عند قيامه بفعل معين.
عمر 8 أشهر: يمكن للأطفال الآن التعرف على مجموعات الأصوات ويمكنهم التمييز بين الكلمات. على الرغم من أنهم يتعرفون على مجموعات الصوت هذه على أنها كلمات، إلا أنهم ما زالوا يتعلمون ما تعنيه هذه الكلمات. من المرجّح أن يفهم الأطفال في هذا العمر معنى الكلمات المتعلقة بتجاربهم اليومية وخاصة الطعام وأجزاء الجسم.
عمر 12 شهراً: في هذه المرحلة يستطيع الأطفال إرفاق المعاني بالكلمات. بمجرد أن يتمكنوا من القيام بذلك يمكنهم البدء في بناء المفردات وتقليد الكلمات الجديدة التي يسمعونها.
عمر 18 شهراً: من أجل التواصل يجب أن يعرف الأطفال كيفية استخدام الكلمات التي يتعلمونها. في هذه المرحلة يستطيع الأطفال التعرف على الفرق بين الأسماء والأفعال وبشكل عام الكلمات الأولى في مفردات الطفل هي "الأسماء".
المرحلة الثالثة: تعلم الجمل
خلال هذه المرحلة يتعلم الأطفال كيفية إنشاء الجمل. وهذا يعني أنّه يمكنهم وضع الكلمات بالترتيب الصحيح، على سبيل المثال يتعلمون أنّه في اللغة العربية نقول "أريد تناول الكعك" وليس "أريد أنا الكعك"، كما يتعلم الأطفال أيضاً الفرق بين الدقة النحوية والمعنى. ابتكر الباحث نعوم تشومسكي مثالاً على هذا الاختلاف في جملة "الأفكار الخضراء عديمة اللون تنام بشراسة." سيعرف الأطفال في هذه المرحلة أنّه على الرغم من أنَّ الجملة صحيحة نحوياً إلا أنها غير منطقية. إنهم يعرفون أن اللون الأخضر هو لون ولذلك لا يمكن أن يكون عديم اللون وأن الأفكار لا تنام، ومع ذلك فهم يعرفون أيضاً أن بنية الاسم والفعل في الجملة صحيحة.
لتعزيز تطوير اللغة عند الأطفال خلال هذه المرحلة يجب اتباع نموذج عادات الكلام الجيدة من خلال التحدث معهم بوضوح والنظر إليهم في العين وعدم مقاطعتهم ومنحهم فرصة للتحدث، أيضاً إضافة كلمات جديدة لما يقولونه لمنحهم فكرة عن كلمات أكثر تعقيداً للتعبير عن أفكارهم وطلباتهم ومحاولة طرح الكثير من الأسئلة عليهم لتشجيعهم على استمرار الحوار، وطريقة أخرى لتشجيع مهارات الاتصال والمهارات الاجتماعية لديهم هي تقليد أصواتهم (مثل الثرثرة التي يقولونها) والرد عليهم، كذلك عكس تعابير وجههم ووصف أفعالهم وسرد ما يحدث من حولهم تعتبر من الطرق الفعّالة أيضاً.
معالم تعلم الطفل للغة في المرحلة الثالثة:
هي مرحلة ما قبل المدرسة وفيها يستخدم الأطفال كلمات كاملة وجمل بسيطة، ومع نهاية هذه المرحلة يمكنهم استخدام حوار أكثر تعقيداً.
عمر 24 شهراً: في هذه المرحلة يبدأ الأطفال في التعرف على كلمات أكثر من الأسماء والأفعال، ويكتسبون فهماً لبنية الجملة الأساسية، ويمكنهم استخدام الضمائر، على سبيل المثال هم يعرفون الترتيب الصحيح للكلمات في الجملة ويمكنهم إنشاء جمل بسيطة مثل "أنا بطاطا" ، مما يعني "هل يمكنني الحصول على بطاطا؟".
عمر 30 إلى 36 شهراً: بحلول هذا العمر يكون حوالي 90٪ مما يقوله الأطفال صحيحاً نحوياً. الأخطاء التي يرتكبونها عادةً ما تكون أشياء مثل النهايات المضافة إلى الأفعال الشاذة لتشكيل الفعل الماضي، على سبيل المثال قد يقولون "أنا يقع" بدلاً من "وقعت على الأرض"، يكونون قد تعلموا القاعدة النحوية لتشكيل المضارع والماضي عن طريق إضافة حروف أو نهايات إلى الفعل ولكنهم لم يتعلموا بعد استثناءات القاعدة.
بعد عمر 3 سنوات: مع نموهم يستمر الأطفال في توسيع مفرداتهم وتطوير تعلم اللغة بمفردات أكثر تعقيداً، لكن استخدامهم للغة لا يشبه تماماً لغة البالغين حتى سن الحادية عشرة تقريباً.
في النهاية إنَّ الأطفال يطورون اللغة وفقاً لسرعتهم الخاصة وأفضل طريقة لمساعدتهم هي التحدث معهم والغناء والقراءة لهم، ولا تنسى الاتصال بطبيب الأطفال إذا كانت مهارات طفلك اللغوية تتطور بشكل أبطأ من المتوقع، فقد يطور طفلك مهاراته اللغوية بشكل أبطأ من أقرانه ضمن النطاق الطبيعي للتطور، ولكن في بعض الأحيان قد يشير التأخير إلى مشكلة أخرى، لذا يعد التدخل المُبكر مهماً للعديد من التطورات المتعلقة بالكلام وغيرها من الاهتمامات التنموية والتطور السلوكي للطفل.
